بقلم: الأستاذ موريس آكوب
إنَّ هدف التربية الصحيحة هو أن تجعل المتربي إنساناً ناضجاً حرّاً مسؤولاً، وأهلاً لاتخاذ القرارات. فللطفل منذ الولادة شخصية مدعوة للنمو؛ فهو ليس كما يدَّعي البعض صفحة بيضاء أكتب عليها ما أشاء، ولا عجينة أشكِّلها كما أشاء. إنّما هو إنسان يمتلك قدرات وطاقات ومواهب على المربّي أن يكتشفها وينمّيها. التربية الجيدة هي التي تخلق الجو والمحيط المؤاتي لينمو الطفل نموّاً جيداً وسليماً.
كيف أتعامل مع الطفل ؟
إّنهم يصوّرون السعادة في شراءِ قصر أو منتجع على البحر، أو في شراء سيارة حديثة. كلّ الأبواق والصّور تنصحنا... السعادة هي أن نشتري، ونقتني ونمتلك ونستهلك، السعادة هي أن نستأثر. لا يهمُّنا إذا كان الآخرون لا يملكون ولا يستهلكون، ولا يحصلون على الحاجات الضروريّة لحياتهم. المهم نحن إن جلسنا أمام موائدنا فعليها أن تعمر بكلّ ما لذ وطاب، وإن لبسنا فلكلّ مناسبة ثوباً جديداً. ليس علينا إلاّ أن نقبع في قصرنا المزيّن بالأرائك، واللوحات والتماثيل ومقتنيات العظماء لنحصل على السعادة. ولا ينسون أن ينصحونا أيضاً بإحكام إغلاق أبوابنا ونوافذنا، فعلينا أن نغلق كلّ شيء، لأنّ كلّ الذين حولنا هم أعداء لنا وسارقون طامعون, قد يحاولون النفوذ من أيّة ثغرة فيشاركوننا فيما نملك، لذلك فهناك الأقفال الحديثة التي تستعصي على أمهر السارقين، وهناك الأسلاك الشائكة والأبواب الإلكترونيّة.أولاً :
أُربّيه على الثقة بنفسه بعيداً عن الحماية المفرطة. أحياناً إن لم نقل في معظم الأحيان، نلعب، نحن المربّين وخاصة الأمهات، دور الدجاجة التي تحتضن فراخها! فلا نترك مُتنفساً لأولادنا بحجة حمايتهم من المكروه، غافلين إلى أنّنا بذلك نسيء إلى نمو شخصيتهم ولا نفسح في المجال لاستخدام قدراتهم وتفتّح مواهبهم. إنَّ خوفنا عليهم هو في الحقيقة خوفنا على أمر نمتلكه ونخشى أن نفقده. لنتعلَّم من العصفورة الأم التي تدفع بصغارها إلى الطيران بأجنحتهم ليواجهوا الحياة بأنفسهم ... المربي الحقّ هو الذي يلعب دور المشجّع، لأنّ التشجيع يزرع الثقة بالنفس ويبني الشخصية.
ثانياً :
تحاشي مقارنة الولد بغيره. إنَّ هذه المقارنة قاتلة. لأنّني بها أُظهره على أنّه لا شيء، وبالتالي نقتل ثقته بنفسه. وإذا حدثت هذه المقارنة وكانت قويّة فالنتيجة تكون أحد أمرين:
- إمّا يعاقب الولدُ أهلَه ومن يقوم على تربيته بالتمرّد والمشاكسة والشغب ...
- وإمّا يضغط على نفسه بالدراسة وينغلق على نفسه ليتفرّغ للدرس كي يثبت لنفسه وللأهل والمربّين أنّه قادر لا كما يقولون له؛ فالنتيجة في كِلا الحالين تتوقف على دينامكية شخصيته؛ وهي في الحالتين مؤذية له.ثالثاً :
اعتماد الحوار وخاصة مع أجيال اليوم. أن أتحاور مع الولد معناه أن أُصغي له بالدرجة الأولى، أن أترك له الفرصة الكافية ليعبِّر عن أفكاره ومشاعره وهواجسه ...
فإذا كان الولد يُخطئ في تصرفاته، فبالحوار معه أساعده على اكتشاف خطئه والإقرار به من تلقاء نفسه لا إجباره بالاقتناع به تحت التهديد والوعيد.
رابعاً : [/size]
أدرّبه على اتخاذ القرارات. لا أن اتَّخذها عنه إلاّ في المواقف الخطيرة. فحيث لا يكون الموقف خطراً فعليَّ، كمربٍّ، أن أسمح له بالتجريب حتى وإن كلَّف ذلك بعض الخسارة. فالولد يتعلّم بالخبرة ومن يتعلّم لا بدَّ من أن يدفع الثمن المعقول. أمّا عندما يكون اتّخاذ القرار في موضوعات خطرة عندها لا أسمح له بذلك مهما كلَّف الأمر.
إنَّ نجاحي كمربٍّ في هذه المسألة يتطلَّب مني أن أعرف أنا أولاً كيف أتَّخذ القرارات الصائبة، ففاقد الشيء لا يُعطيه طبعاً. ينبغي علينا إذاً أن نفسح في المجال لأولادنا في أن يُجرِّبوا فيتَّخِذوا القرارات بأنفسهم؛ فالله إذ سلمنا الكون فلأنه يريد أن نتسلّط عليه وهذا يتطلَّب ويفترض استخدام التجريب.خامساً :
أتحاشى عبارات من هذا القبيل: ما عدْتُ أحبك ... يا لها من عبارة خطيرة من شأنها أن تقتل الولد... لا يمكن أن تُبنى التربية على الخوف من القصاص وعلى التهديد والوعيد. إنّما على المحبة. المحبة البصيرة هي وحدها التي تبني وتحرّر. هذه المحبة لا تتناقض مع الحزم. لقد كان يسوع مثالاً في المحبة والحزم في آن واحد. ( الويل لكم أيّها الفريسيون- يطرد الباعة من الهيكل – يقول لبطرس: أبعد عنّي يا شيطان الخ ... ) ولكنه في العمق كان يحبّهم، لقد كانت محبتة حازمة إن صحَّ التعبير، محبة محرّرة مُنمِّية تدفع المربّي إلى إخراج ما هو صالح فيه ونبذ ما هو طالح منه.
ثمّة فرق بين الحزم، والضرب والعقاب علينا أن ندركه ونعيه، الضرب والعقاب عمل ثأري موجّه إلى شخص الولد؛ هو عمل ضد المُخطِئ والخاطئ، في حين أنَّ الحزم هو تأديب بمحبة ضد الخطأ والخطيئة. فالله وهو المربّي الأول ما كان يوماً ضد الخاطئ إنَّما ضد الخطيئة التي فيه. وما مِِن إنسان مثل الولد يدرك فيما إذا كان المربّي الحازم يحبه أم لا.
[color=darkred][size=24]سادساً : [/color]
أن أربّيه على المجانية.
يا لها من تربية خاطئة عندما أقول للولد: " إذا فعلت كذا أُعطيك بونبونة أو مرحى، " أو ... إنّني بذلك أُربّيه على " النفعية " فيما المطلوب أن أُربّيه على " المجانية "؛ المكافأة الصحيحة لا تكون شرطاً معلوماً لأداء عملٍ ما صالح، إنّما نتيجة عفوية للقيام به. إنَّ الروح المجانية التي نربّيها في الولد تنقله من مركزية الأنا إلى مركزية الآخر، تُحرِّرُه من أنانيته تدريجياً وتجعل منه إنساناً غيْرياً. فمسيرة التربية الصحيحة هي انتقال من الأنانية إلى الغيْريّة، وهي نفسها مسيرة النضج لأنّها مسيرة الحرية.
عن موقع حلب للتعليم المسيحي